مدونة ناصح أمين ... حسين المحامى

    

أثر عدم دستورية قانون 100 لسنة 1993على النقابات المهنية

* أصدرت المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 198 لسنة 23 ق دستورية -المقامة ضد رئيس الوزراء ووزير العدل ورئيس محكمة جنوب الابتدائية ونقيب المحامين- يوم 2/1/2011 حُكماً بعدم دستورية قانون النقابات المهنية رقم 100 لسنة 1993 بشأن ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابية المهنية ، والمُعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1995 استناداً إلى أن مجلس الشورى لم يسبق له مناقشة مشروع القانون إعمالاً لنص المادة 195 من الدستور ، التي تنص مادتها :" يؤخذ رأى مجلس الشورى فيما يلي : -

1 - الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور . 2 - مشروعات القوانين المكملة للدستور .

3- مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية . 4 - معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة أو التي تتعلق بحقوق السيادة . 5- مشروعات القوانين التي يحيلها إليه رئيس الجمهورية . 6- ما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها فى الشئون العربية أو الخارجية ، ويبلغ المجلس رأيه فى هذه الأمور إلى رئيس الجمهورية ومجلس الشعب ".

* وقد جاء هذا الحكم موافقاً لتقرير هيئة المفوضين الصادر في 1/9/2010 والذي جاء في 41 صفحة والذي أكد عدم دستورية هذا القانون بسبب عدم عرضه على مجلس الشورى ، وكشفت الهيئة أنه عند مناقشة مشروع القانون بمجلس الشعب أثار أحد الأعضاء مسألة عرض القانون على مجلس الشورى باعتباره من القوانين المكملة للدستور ، وطالب بوجوب إعمال نص المادة " 195 " من الدستور وردّ رئيس المجلس عليه بالقول : " أُحبُّ أن أوضح للمجلس أن المعروض اقتراح بقانون وليس مشروع قانون مقدم من الحكومة " وأشارت الهيئة إلى تلك الواقعة بالمضبطة رقم " 34 " بالمجلس المعقودة في 16 فبراير عام 1993 من دور الانعقاد العادي الثالث ، وردّ تقرير هيئة المفوضين على كلام رئيس مجلس الشعب بان الاقتراحات بالقوانين تتعلق بالقوانين المكملة للدستور ومقدمة من أعضاء مجلس الشعب يشترط اخذ رأي مجلس الشورى بشأنها .

* ولكن يثور التساؤل ما أثر هذا الحكم الصادر بعدم دستورية قانون رقم 100 لسنة 1993 المعدل بالقانون 5 لسنة 1995 علي النقابات المهنية فى مصر ؟! * وللإجابة على هذا التساؤل نوضّح أنه بعد صدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا المنشور بالجريدة الرسمية العدد 28 مكرر في 11/6/1998 ونص علي ما يلي "-: المادة الأولي : يستبدل بنص الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 النص الآتي : ويترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخا آخر علي أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال إلا أثراً مباشراً، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم بعدم دستورية هذا النص " .

* وهدياً على هذا التعديل لابد أن نفرّق بين النقابات التي أُجريت انتخاباتها بناءً علي أحكام قضائية واجبة النفاذ ، والنقابات التي مازالت تحت الحراسة : -

أولاً : النقابات التي أجريت انتخاباتها بناءً علي أحكام قضائية واجبة النفاذ * أرى أن هذا الحكم لا يُؤثر علي مجلس نقابة المحامين ، ذلك أن الحراسة أُُلغيت عن نقابة المحامين بمقتضي حكم حاز قوة الأمر المقضي ثم أجريت الانتخابات بناءً علي أحكام قضائية واجبة النفاذ ،ومنها الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أرقام 33096 لسنة 63ق و 33560 لسنة 63 ق و 34370 لسنة 63 ق و 34832 لسنة 63 ق و 35303 لسنة 63 ق و 35471 لسنة 63 ق بجلسة 10/5/2009 من محكمة القضاء الإداري الدائرة 2 أفراد ب ، ثم تمت آخر انتخابات بنقابة المحامين وفقاً لقانون المحاماة الجديد رقم 179 لسنة 2008م ، وبالتالي لا أثر على مجلس النقابة من هذا الحكم ، واستمراريته تتوافق مع القانون ، ومِن ثَم اكتسب هذا المجلس –النقابة العامة والمجالس الفرعية بالمحافظات - مركزاً قانونياً لا يتنافى مع حكم المحكمة الدستورية العليا . ثانياً : النقابات التي مازالت تحت وطئة الحراسة القضائية

* أرى وهذا الحكم يعد واجب النفاذ من اليوم التالي لصدوره، وبذلك تعود مسألة تنظيم العملية الانتخابية وفتح باب الترشيح لمجالس تلك النقابات وفقا للقوانين التي تحكمها كل على حدة ، وهو ما كان معمولاً به قبل عام 1993 وهو عام صدور القانون المشبوه. * وبذلك تصبح النقابات حرة في تحديد مواعيد إجراء انتخاباتها دون انتظار لقرار اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات النقابات المهنية ، والتي كان يرأسها رئيس محكمة جنوب القاهرة بصفته .

* وأن هذا الحكم الصادر يُلزم الحكومة باتباع إجراءات الجمعيات العمومية التي نظمتها القوانين الخاصة بالنقابات المهنية كل علي حدة لحين سنّ تشريع جديد ينظم انتخابات جميع النقابات مع إتباع الإجراءات الدستورية لتمريره ،بإعداده ، وعرضه علي قسم التشريع بمجلس الدولة ، ثم مجلس الشورى،ثم مجلس الشعب ، مع مراعاة تفادي العوار الدستوري في المواد موضوع الطعن .

*احتمالات تنفيذ الحكم على جميع النقابات المهنية بمصر الاحتمال الأول : أن يتم حل مجالس النقابات المهنية التي أجريت انتخاباتها وفقا لهذا القانون المحكوم بعدم دستوريته ، استناداً إلى عدم دستورية القانون الذي أجريت انتخاباتها على أساسه ، وهذا قد يكون مستبعداً ، خاصة أن هناك حكم سابق صادر المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 3 يونية 2000 في الدعوى رقم 153 لسنة 21 قضائية دستورية والذي أبطل قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 153 لسنة 1999 ، بسبب عدم عرض القانون على مجلس الشورى ، وتطلّب الأمر مرور 3 سنوات قبل صدور القانون الجديد الذي ينظم شئون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 84 لسنة 2002 .

الاحتمال الثاني : أن تبدأ النقابات المهنية خاصة تلك التي لم تجرِِ انتخاباتها وفقا لهذه القانون ، أو فشلت في استكمال النصاب القانوني المنصوص عليه في القانون 100 /1993 وهو 50% في الجولة الأولى ، و30% في الجولة الثانية، أن تبدأ هذه النقابات في تحديد مواعيد لفتح باب الترشيح لمجالس نقاباتها . الاحتمال الثالث : أن تُسرع الحكومة- الآن- بتمرير قانون جديد بديل للقانون 100 /1993، لتُجري الانتخابات على أساسه ، وهناك مشروع قانون موجود بالفعل في أدراج مجلس الشعب منذ الفصل التشريعي السابق، وبالطبع يملك الحزب الوطني الأغلبية الكاسحة بموجب التزوير الفادح في انتخابات الشعب 2010 . الاحتمال الرابع : أن يتم استمرار الوضع الحالي – سنين- لكافة النقابات المهنية ؛ لحين تمرير قانون بديل للقانون 100 /1993، لتُجري الانتخابات على أساسه - وهو الاحتمال الأرجح - .

* وختاماً أقول : إن هذا الحكم أعاد الحياة للنقابات المهنية ، الذي أنهي 20عشرين عاماً من الأَسر الذي عانت منه النقابات المهنية فى مصر ،و التي يبلغ عددها حالياً 24 نقابة مهنية تضم فى عضويتها ستة ملايين مهنياً، وهو الوضع الذي جمّد أوضاع 12 نقابة مهنية ً، حيث لم تُجرَ الانتخابات بالنقابات بها وهى : (الأطباء البشريين ( تأسست عام 1949) ، الصيادلة ( ت ع 1949)، المهندسين ( ت ع 1946) ، العِلميين ( ت ع 1946) ، أطباء الأسنان ( ت ع 1949) ، الأطباء البيطريين ( ت ع 1949) ، المُعلمين ( ت ع1954)، التجاريين ( ت ع 1955)، الزراعيين ( ت ع 1949)، العلاج الطبيعي ( ت ع 1994) ، المهن الفنية التطبيقية( 1974) ، مصممي الفنون التطبيقية ( ت ع 1976 ) وفي المقابل لم تنجح سوى 10 نقابات في إجراء انتخاباتها ، وفقا لهذا القانون أو لحكم قضائي واجب النفاذ أو لقانون خاص بها ، و النقابات هي :- ( المحامين ( تأسست عام 1912) ، الصحفيين ( ت ع 1941)، الاجتماعيين ( ت ع 1973) ، المرشدين السياحيين ( ت ع 1983)، الرياضيين ( ت ع 1987) ، التمريض ( ت ع 1976 ) ، الفنانين التشكيليين ( ت ع 1976) ، المهن التمثيلية ( ت ع 1955) ، السينمائيين ( ت ع 1955) ، المهن الموسيقية ( ت ع 1955) .

* وقد أثبت الحكم أن في مصر قضاءً شامخاً منتصراً دوماً للحق والعدل والحرية ،وقد حقق هذا الحكم حلم المهنيين ، وأثلج صدورهم لما فيه من بارقة أمل لإدارة شئون نقاباتهم بحرية وديمقراطية ، وبلا قيود تحول دون تحقيق غاياتهم المهنية والقومية ،و جاء مُحققاً لطموح جُموع النقابيين والمهتمين بالشأن النقابي بوجه عام في مصر، ذلك أن هذا القانون كان يعتبر العائق أمام تفعيل الدور المهني والقومي للنقابات المهنية، إذ بالنظر إلى المادة الثانية في فقرتها الأولى والثانية والخاصتين باكتمال نصاب الجمعيات العمومية نجد أنها مشوبة بعدم الدستورية لمخالفتها لنصوص المادتين 56، 62 من الدستور، وما يعد إخلالاً صارخاً لهاتين المادتين أيضاً ما نصت عليه المادة الخامسة من القانون بخصوص مواعيد إعلان انعقاد الجمعية العمومية غير أيام الجمعة والعطلات الرسمية والكثير من العوار الذي كان يلحق مواده إلا أنه وبهذا الحكم التاريخي تسقط كل القيود والعوائق أمام الديمقراطية واستقلال العمل النقابي بوجه عام ،وهذه هي النهاية الطبيعية لقانون وُلِد سفاحًا على غير إرادة الجمعيات العمومية للنقابات المهنية ، ويُمثل هذا الحكم تكليلاً للجهود التي قام بها نشطاء المهنيين ضد هذا القانون الجائر والذي اغتال استقلال النقابات المهنية في مقتل وحجم من أدوارها المهنية والنقابية والوطنية ، كما يمثل تكليلاً لجهود المجتمع المدني المصري ومنظمات حقوق الإنسان ،

* وفي هذا السياق نُعرب نحن-المهنيين- عن سعادتنا بصدور هذا الحكم التاريخي ، والذي نأمل أن تعود معه للنقابات المهنية استقلالها عن أجهزة الدولة ، ونؤكد على حق كافة النقابات المهنية الشرعي ، وحق جمعياتها العمومية الأصيل في الدعوة لإجراء انتخاباتها فوراً ، وفقا لنصوص قوانينها الخاصة ، كما نُطالب الحكومة بعدم إصدار قانون بديل لهذا القانون المشبوه ، والرجوع إلى القاعدة الأصل وهو أن تحكم النصوص الواردة والتي تتضمن تنظيماً لانتخابات مجالس نقاباتها العامة والفرعية، والموجودة في قوانين النقابات المهنية المنشئة لها ، وهو ما كان معمولاً به في السابق ، والله ولىّ التوفيق ،،

حسين فتحي محمد

المحامى

HESENFATHY70@YAHOO.COM http://nasehameen.blogspot.com

تصفّح المصرى اليوم

صفحة جديدة 1