مدونة ناصح أمين ... حسين المحامى

    

القاهرة: أرجع خبراء مصريون متخصِّـصون في الاقتصاد والإدارة والصحة وشؤون البرلمان والسلامة والأمان، الارتفاع الملحوظ لحوادث السّـير بمصر، إلى سوء حالة الطُّـرق السريعة وغياب الوعي والرقابة المرورية " الجادّة "، والتّـساهل في منح التراخيص واختبارات السائقين وإجراءات الأمن والمتانة والفَـحص الفني الدقيق، إضافة إلى سوء صِـيانة المركبات وافتقار عمليات الرّصف إلى مواصفات الجودة، فضلا عن نقص الاعتمادات والمخصّصات المالية للوزارات المعنية.

واعتبر الخبراء في تصريحاتهم أن زيادة معدّل الحوادث بهذه الصورة اللاّفتة، دليل على الإهمال والقُـصور الشديد في إدارة المرافِـق العامة، فضلا عن غِـياب المنهج العلمي السّـليم في إدارة الأزمات، مُـعرِبين عن أسَـفِـهم ممّـا تُـعانيه البلاد من عَـشوائية واضحة في اتِّـخاذ القرارات وتجاهُـلٍ ملحوظ لتأمين واحد من أهمّ المرافق العامة في الدولة.

وحمّـل الخُـبراء الحكومة المصرية عامة، ووزاراتها الأربع المعنية بالموضوع على وجه الخصوص، وهي: النقل والمواصلات والداخلية والصحة والتنمية المحلية، المسؤولية الكاملة عن مقتل 8 آلاف مصري وإصابة قرابة 95 ألف مواطن سنويًا جرّاء حوادث الطّـرق، وطالبوها بوضع خطّـة إنقاذ شاملة وعاجلة، تشمَـل الاهتمام بعمل الصِّـيانة الدورية اللاّزمة للطُّـرق والمَـركبات، واعتماد خطّـةٍ لازدِواج الطّـرق السريعة، والعناية بالإشارات التحذيرية والمطبات الصناعية، معتبِـرين أن ما قدّمته السلطات العمومية في هذا الإطار، لا يزال دون المُـستوى المطلوب.

ضعف مخصّصات الإسعاف!

في البداية، يوضِّـح الدكتور فريد إسماعيل، النائب البرلماني، عدم وجودِ تنسيق بين الوزارات الأربعة المعنِـية بالقضاء على أو الحدِّ من ظاهرة حوادِث الطُّـرق في مصر، وهي: النقل والمواصلات والداخلية والصحة والتنمية المحلية. فبالنسبة لوزارة النّـقل والمواصلات، فهي مسؤولة عن الطُّـرق والمطبّـات والأرصفة، والحقيقة أن جهود الوزارة بدأت تتطوّر، فهناك تطوّر ملحوظ ظهَـر على طريق مصر - أسيوط الزّراعي، من حيث التّـوسعة والازدِواجية، إضافة إلى إنشاء الطريق الصحراوي باتِّـجاهيْـه، وهو ما خفّـف الحمل كثيرا عن الطريق الزراعي، وإن كانت السّـرعة الجُـنونية على الطريق الصحراوي وراء مُـعظم الحوادث التي تقع عليه.

وقال الدكتور إسماعيل: "لكن للأسف، فإن الطريق الزِّراعي ما زال دون المُـستوى المطلوب ويحتاج إلى صِـيانة مستمرّة ورعاية وإنفاق كبيريْـن، كما أن عمليات الرّصف التي تتِـم، تفتقر إلى المُـواصفات العِـلمية، إضافة إلى أن كثيرا من الطُّـرق ليس بها إشارات وعلامات مُـرورية، فضلا عن عدم إنارة مسافات كبيرة من الطريق"، مشيرًا إلى أن "وزارة التنمية المحلية، هي المسؤولة عن إنارة الطريق، وِفقًا للتوزيع الجُـغرافي لمجالس المُـدن والمحليات".

وأضاف الدكتور فريد إسماعيل: "أما بخصوص وزارة الصحة، فإنها تُـعاني من نقْـص حادٍّ في المخصّـصات، حيث بلغت نِـسبة مخصّصات الوزارة 3.5% من الموازنة العامة للدولة، أي بإجمالي 12 مليار جنيه، منها 65% أجور ومرتّـبات للعاملين بالوزارة، بينما الـ 35% الباقية، لا تكفي المُـستشفيات والرِّعاية الصحية، وتظهر المشكلة بوضوح في قِـطاع الإسعاف والطوارئ. فبينما كانت خطّـة الحكومة لعام 2008 تستهدِف إنشاء 236 نقطة إسعاف على الطريق السريع، فإنها لم تنفّـذ منها سوى 40 نقطة وذلك بسبب ضعف المخصصات".

واستطرد النائب البرلماني قائلا: "كما كانت الوزارة تستهدِف شراء 3000 سيارة إسعاف مجهّـزة خلال موازنة عام 2008، للقيام بدورها في إسعاف الجَـرحى والمصابين، لكنها للأسف لم تتمكّـن من شراء سوى 1000 سيارة جديدة، بينما قامت بإصلاح 800 سيارة قديمة. ورغم هذا، فإن الأمانة تستدْعي أن نقول إن وزارة الصحة من أفضل الوزارات تحرّكا في هذا الموضوع، فقد درّبت أكثر من 1200 مسعِـف من الحاصلين على مؤهِّـلات عُـليا، للقيام بدورهم في إسعاف الجرحى والمُـصابين".

 8 آلاف قتيل و95 ألف جريح سنويًا!

وحول الدّور الرّقابي لنواب المعارضة في مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان)، قال الدكتور فريد إسماعيل: "قدّمنا 8 استجوابات لوزراء النقل والداخلية والصحة والتنمية المحلية، وحضر مناقشة الاستجوابات، التي خُـصِّص لها يوم الأربعاء 15 أبريل الجاري، وزيرا النقل والتنمية المحلية بشخصيْـهما، فيما أناب وزير الداخلية ممثلا عنه، وقام الدكتور مفيد شهاب، وزير شؤون مجلس الشعب بالردّ على وزير الصحة، وقامت الحكومة خلال المناقشة بعرض الجهود التي بذلتها خلال عام 2008، للحدّ من الظاهرة.

وفي محاولة لإظهار مدى اهتمام نواب البرلمان بالمشكلة، قال النائب البرلماني: "لقد قدّمت بمُـفردي 10 طلبات إحاطة حول الموضوع لرئيس مجلس الوزراء والوزراء المعنيين"، مشيرا إلى أن "هناك تطوّر ملحوظ في هذا الملف، تمثِّـل في البدء في تنفيذ خطّـة توسعة وازدواج بعض الطُّـرق الرئيسية على مستوى الجمهورية، كما تمّ إصلاح بعض مزلقانات السِّكك الحديدية"، وإن لم يخفْ أن اهتمام الحكومة بالموضوع "ما زال دون المستوى"..

وطالب إسماعيل الحكومةَ بمُـضاعفة نِـسبة مخصّـصات وزارة الصحة، وتحديدًا قطاع الإسعاف والطوارئ، لتصل إلى 7% من الموازنة العامة للدولة، والتي بلغت هذا العام 330 مليار جنيه مصري (59 مليار دولار تقريبًا)، مؤكِّـدًا أن "الطُّـرق تحتاج إلى رفع واقع، ثم خطة عاجلة للإصلاح، تنفّـذ منها كل وزارة ما يخصّها وأخذ الأمر بجدِّية. فهناك 8 آلاف مصري يُـقتلون سنويًا جرّاء حوادث الطرق، فيما يُـصاب قرابة 95 ألف، وهذه الإحصائية تضع مصر في المركز الثاني، عالميًا، في حوادث الطُّـرق، عِـلما بأننا نحتلّ المركز الأول عالميًا في نسبة الإصابة بفيروس (C)، كما نحتل المركز الرابع عالميًا في تجارة الأعضاء"...

وكان النائب قد كشف في سؤالٍ عاجلٍ إلى الدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء، والدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة، عن وقوع 1108 حادث في غضون 22 يومًا فقط بطريق الساحل الشمالي والطريق الصحراوي، على مسافة 540 كيلومترًا، راح ضحيّـتها المئات من الأبرياء، فضلاً عن آلاف الحوادث الأخرى في طُـرق مصر المختلفة، سواءٌ كانت زراعية أو صحراوية أو ساحلية، خسائرها تعدَّت خسائر الحروب التي خاضتها مصر في تاريخها الحديث.

تكلفة باهظة وأسباب متعدّدة!!

من جهته، يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور حمدي عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والرئيس الأسبق لأكاديمية السّادات للعلوم الإدارية، أن التّـكلفة الاقتصادية لحوادث الطُّـرق تحتسب على أساس التعويضات التي يحصل عليها ذوو القَـتلى والجرحى من الحكومة ومن شركات التأمين ومصروفات علاج الجرحى والمصابين وتلفيات السيارات التي تعرّضت للحوادث، إضافة إلى حجم الإنتاج أو الدّخل، الذي ضاع بسبب فقدان القتلى، وتعطّـل الجرحى والمصابين عن ممارسة أعمالهم والأضرار الأخرى مثل: أعمدة الإنارة والشجر وأكشاك المرور، وبعض البيوت والمباني التي تتهدّم جراء الحوادث.

ويشير الدكتور عبد العظيم إلى أن "في مقدِّمة أسباب كَـثرة الحوادث في مصر: عيوب الطرق وقلة الصيانة الدورية والسير بسرعة جُـنونية وعدم وجود إشارات تحذيرية ومرورية كافية، إضافة إلى نقْـص الاعتمادات والإمكانيات المادية للوزارات المعنية، مؤكِّـدا أن "وزارات النقل والمواصلات والداخلية والصحة والتنمية المحلية، تتحمّـل – مشتركة - مسؤولية الارتفاع الملحُـوظ في حوادِث الطُّـرق في مصر، وإن كانت وزارة النقل هي التي تتحمّـل العِـبْء الأكبر"، على حد قوله.

وأوصى الخبير الاقتصادي بضرورة "الاهتمام بعمل الصِّـيانة الدَّورية اللاّزمة للطُّـرق والمركبات، مع اعتماد خطّـةٍ لازدِواج الطّـرق السريعة والعناية بالإشارات التحذيرية والمطبّـات الصناعية"، مشيرًا إلى أنه "من الضروري العمل، وِفق خطة مستقبلية وتخطيط عِـلمي، لمواجهة هذه الحوادث المتكرِّرة التي تسبّـب الكثير من التداعيات للإقتصاد، بما تمثله من استنزاف مُـباشر لموارد الدّولة، فضلا عما تتركه مثل هذه الحوادث وطُـرق إدارتها من انطباعات سلبية وشكوك حول توفّـر البيئة الآمنة والجاذِبة للاستثمارات".

وحول رُؤيته لتطوير قِـطاع الإسعاف والطوارئ بوزارة الصحة، قال د. عبد العظيم: "لابد من وضع خطّـة متكامِـلة لتطوير هذا القطاع الحيوي، لتصِـل إلى الإسعاف الطارئ مع تسريع الاستجابة، التي ما زالت دون المستوى المطلوب، وبحث استخدام التليفريك العُـلوي للحالات الحرِجة التي تحتاج إلى النقل السريع، إضافة إلى تجديد وإصلاح أسْـطول سيارات الإسعاف وتوفير خط ساخِـن (لاسلكي أو محمول)، لتلقي البلاغات"، معتبرًا أن هذه الحوادث دليل على الإهمال والقُـصور في إدارة المرافِـق العامة وغياب المنهج العِـلمي السليم في إدارة الأزمات، مُـعربًا عن أسفه ممّـا تُـعانيه مصر من عشوائية في اتِّـخاذ القرارات وتجاهل تأمين المرافق العامة.

 الرّشوة والفساد السبب الأكبر!

متّـفقا مع الخبيريْـن: البرلماني الدكتور فريد إسماعيل والاقتصادي الدكتور حمدي عبد العظيم، يوضِّـح المهندس بطل علي السيد، الخبير في شؤون السلامة والصحة المهنية، أن من أسباب ارتفاع حوادث الطُّـرق في مصر، وخاصة على الطُّـرق السريعة: سوء حالة الطرق وعدم اتِّـساعها وكفايتها للمركبات والسرعة العالية، التي تصل لضعف السّـرعة المحدّدة بمعرفة قواعد السلامة المرورية، إضافة إلى عدم التزام السائقين بالعدد المحدّد من الركّـاب، فضلا عن التّـساهل في منح التراخيص واختبارات السائقين وإجراءات الأمن والمَـتانة والفحْـص الفنّـي الدقيق".

ويقول المهندس بطل: "الحقيقة، أن المنظومة بأكملها تحتاج إلى إصلاح حقيقي، ولن يكون هذا الإصلاح إلا من خلال نشر ثقافة مجتمعِـية متكاملة ورقابة داخلية وذاتية، تلزم السّـائق بقوانين وقواعد وتعليمات المرور، وتوقِـظ ضمير المسؤولين عن إصدار التراخيص، وتقضي على وباء الرشوة والفساد والمحسوبية، الذي أعتبِـره الفساد الأكبر الذي يجب البدْء بمُـحاربته، حِـفاظًا على أرواح الناس"، مشيرًا إلى أن هذه هي البداية الصحيحة لمواجهة الموْت الذي يركِـب سيارة".

وكان الدكتور زكريا عزمي، رئيس ديوان الجمهورية، قد شنّ هجومًا عنيفا على الحكومة في مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان المصري)، حمّـلها خلاله المسؤولية كاملة عن تصاعُـد حوادث السّـير في البلاد، بسبب ما وصفه بـ "فوضي المرور في الشارع المصري"، مشيرًا إلى "وقوع نحو مئة ألف حادث سيْـر خلال العام الماضي" فحسب.

 

تصفّح المصرى اليوم

صفحة جديدة 1