مدونة ناصح أمين ... حسين المحامى

    

.بقلم الإمام الشهيد: حسن البنا نقلاً عن : جريدة الإخوان المسلمين الثلاثاء 14 جماد أول سنة 1354ﻫـ – 13 أغسطس1935م العدد 18 – السنة الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم { الم ، غلبت الروم ، فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ، فى بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ، بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم } ( الروم 1 : 5 ) . القرآن لم يقف بالمسلمين وخصومهم عند هذا الوعد ولا فى حدود ذلك الحادث إنما كانت هذه مناسبة لينطلق بهم إلى آفاق أبعد وآماد أوسع من ذلك الحادث الموقوت . وليصلهم بالكون كله وليربط بين سنة الله فى نصر العقيدة السماوية والحق الكبير الذى قامت عليه السماوات والأرض وما بينهما . وليصل بين ماضى البشرية وحاضرها ومستقبلها ثم يستطرد بها إلى الحياة الأخرى بعد هذه الحياة الدنيا ، وإلى العالم الآخر بعد عالم الأرض المحدود ثم يطوف بهم فى مشاهدة الكون ، وفى أغوار النفس ، وفى أحوال البشر ، وفى عجائب الفطر .. فإذا هم فى ذلك المحيط الهائل الضخم الرحيب يطلعون على آفاق من المعرفة ترفع حياتهم وتطلقها ، وتوسع آمادها وأهدافها ، وتخرجهم من تلك العزلة الضيقة . عزلة الزمان والمكان والحادث ، إلى فسحة الكون كله : ماضيه وحاضره ومستقبله ، وإلى نواميس الكون وسننه وروابطه . وكذلك يرتبط قلب المسلم بتلك الآفاق والآماد ؛ ويتكيف على ضوئها شعوره وتصوره للحياة والقيم ؛ ويتطلع إلى السماء والآخرة ؛ ويتلفت حواليه على العجائب والأسرار ، وخلفه وقدامه على الحوادث والمصائر . ويدرك موقفه هو وموقف أمته فى ذلك الخضم الهائل ؛ ويعرف قيمته هو وقيمة عقيدته فى حساب الناس وحساب الله ، فيؤدى حينئذ دوره على بصيرة ، وينهض بتكاليفه فى ثقة وطمأنينة واهتمام . *ليست أمة أولى من أمم الشرق الإسلامي بأن تكون في ميدان الجهاد فقد دانت الآونة، وأزفت الآزفة، ولا ندري لعل الساعة تكون قريبًا فقد جاء أشراطها، وهذه نذرها تتوالى سراعًا، وتمر تباعًا، وهي فرصة قد تكون لنا وقد تكون علينا، فهي- إن انتهزناها وأحكمنا الانتفاع بها- لنا، نغسل فيها عار العبودية، ونتنسم نسيم الحرية، ونرد بها حقًا مغصوبًا ومجدًا مسلوبًا، وهي- إن بغتتنا على غرة، وأخذتنا ونحن في غفلة- علينا، تعركنا بثفالها، ويكون علينا غرمها ولغيرنا غنمها. فأمم الشرق في مركز حرج دقيق، وليس أولى منها باليقظة والتبصر والحذر والاستعداد، فكل أمة من أمم الشرق أمة مجاهدة، ولقد زعموا أننا كذلك فهل هذا صحيح؟! أستطيع أن أتصور المجاهد شخصًا قد أعدَّ عدته وأخذ أهبته وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه، وجوانب قلبه فهو دائم التفكير عظيم الاهتمام على قدم الاستعداد أبدًا إن دُعِيَ أجاب وإن نُودِيَ لبى، غدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجدُّه ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وأرادته يُجاهد في سبيلها تقرأ في قسمات وجهه، وترى في بريق عينيه، وتسمع من فلتات لسانه ما يدلك على ما يضطرم في قلبه من جوى لاصق وألم دفين، وما تفيض به نفسه من عزيمة صادقة، وهمة عالية وغاية بعيدة، ذلك شأن المجاهدين من الأفراد والأمم، فأنت ترى ذلك واضحًا جليًا في الأمة التي أعدت نفسها للجهاد تلحظه في مجالسها، وأنديتها وتراه في أسواقها وشوارعها وتستشعره في مدارسها وبيوتها وتستجليه في شبابها وشيبها ونسائها ورجالها، حتى ليخيل إليك أنَّ كل مكان ميدان، وكل حركة جهاد. أستطيع أن أتصور هذا لأن الجهاد ثمرة الإدراك يولد الشعور، وينفي الغفلة، والشعور يبعث على الاهتمام واليقظة، والاهتمام يؤدي إلى الجهاد والعمل، ولكل ذلك آثاره ومظاهره. أما المجاهد الذي ينام ملء جفنيه ويأكل ملء ماضغيه، ويضحك ملء شدقيه، ويقضي وقته لاهيًا لاعبًا عابثًَا ماجنًا، فهيهات أن يكون من الفائزين أو يُكتب في عداد المجاهدين. والأمة التي ترى كل حظها من الجهاد كلمات تُقال أو مقالات تُكتب، ثُمَّ إذا فتشت قلوب القوم وجدتها هواء، وإذا خبرت اهتمامهم بالأمر رأيته هباءً، وانغمسوا في غفلة لاهية ونومة عابثة فمحالهم وأنديتهم ومجامعهم وبيوتهم لا ترى فيها إلا لهوًا ومجونًا وعبثًا ودعابةً ولعبًا وتسليةً وقتلاً للوقت في غير فائدة كل هَمِّ أحدهم متعة فانية أو لذة زائلة أو ساعة مرحة أو نكتة مستملحة فهذه الأمة الهزل أقرب منها إلى الجد بل لا حظَّ لها في الجد أبدًا. فأين نحن الآن من ميدان الجهاد؟ إن أردتَ أن تعرف فارقب الشواطىء والمصايف والمرابع والمخارف والقهاوي "والبارات" والمراقص "والصالات" والمجامع والمنتديات فهناك المجاهدون. يا قومنا اسلكوا سبيلاً غير هذه أو فدعوا علم الجهاد ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ﴾ (المائدة:54).
0 تعليقات

إرسال تعليق

تصفّح المصرى اليوم

صفحة جديدة 1