مدونة ناصح أمين ... حسين المحامى

    

أ/حسين فتحي محمد المحامى أيها الإخوة : مع هبوب رياح الصيف وحلول مواسم الأجازات ، وارتباط الإجازة عند بعض الناس بالتعطيل والبطالة وإضاعة الوقت وقتله؛ يحسن الوقوف وقفة نظر وتأمّل في الإجازة الصيفية وحفظ الوقت وضبط ساعات العُمُر وأوقات الراحة. الإجازة : فترة من الزمن يرتاح فيها المسلمون من عناء العمل الشاق طول العام ويرتاح طلاب المدارس والمعاهد والجامعات من عناء الدراسة وطلب العلم ، وترتاح فيها الأسرة من عناء الأولاد ، لكنَّ هذه الإجازة عبارة عن وعاء فارغ ، إمّا أن يُملئ بالمفيد النافع ، أو بالسيئ الضّار . * الإجازة بحساب الوقت عبارة عن:[ 129.600 دقيقة تمثل 2160 ساعة لـ 90 يوم هي أيام الإجازة الصيفية ]، إنها ثلاثةُ أشهر معدودة محسوبة عليك بالثواني والدقائق والساعات .. كلها سوف تُسأل عنها يوم القيامة ، " عن عُمُرك فيما أفنيته ؟ وعن شبابك فيما أبليته ؟ أيها الإخوة : " الوقت هو الحياة "، فقد جاء ديننا العظيم ليعرفنا على أهمية الوقت وكيفية استغلاله الاستغلال الأمثل ، أليس هو مادة الحياة ومعنى الوجود ؟ يقول سبحانه وتعالى : ] وَالْعَصْرِ_إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ_ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [سورة العصر . ويذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم موقفين للإنسان يندم فيهما أشد الندم على ضياع الوقت حيث لا ينفع الندم ، الموقف الأول : ساعة الاحتضار وفيه يقول الكافر كما أخبر القرآن الكريم ] حَتَّى إِذَا جَـاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ أرجعوني_لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [ المؤمنون 99-100 ، والموقف الثاني : في الآخرة ، يقول تعالى : ] وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ [ يونس: 45 ] كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [ النازعات : 64 ، ] قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ_ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ_ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[ المؤمنون :112 – 114 . وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية الوقت في حياة الإنسان المسلم ، حيث قال في الحديث الذي رواه مسلم " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " رواه مسلم ، وحث صلى الله عليه وسلم في حديث آخر على اغتنام الوقت بقوله : " أغتنم خمساً قبل خمس " وذكر منها " فراغك قبل شغلك " ، وبين صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أنه : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل " وذكر منها " عن عمره فيما أفناه … " رواه الترمذي * وقد كانت المفاهيم العظيمة السابقة عن الوقت وأهميته ماثلة للعيان دوماً في حياة الناجحين من سلف هذه الأمة ، فقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزدد عملي ) ، ويقول الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله في كتابه ( الجواب الكافي ) : " فالعارف لزم وقته ، فإن أضاعة ضاعت عليه مصالحه كلها ، فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت ، وان ضيعه لم يستدركه أبدا ، فوقت الإنسان عمره في الحقيقة ، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم ، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم ، وهو يمر أسرع من مر السحاب ، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره ، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته ، وان عاش فيه عاش عيش البهائم . فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة ، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة ، فموت هذا خير له من حياته " ص 157 . لكنَّ المشكلة – أيها المحامون – أننا لا نحترم الوقت .. ولماذا لا نحترم الوقت ؟! للأسباب التالية : 1- لأن الوقت معنوي غير محسوس. 2- لأننا ربّينا على ذلك . 3- لعدم الاهتمام بالبدايات والنهايات للأعمال . 4- لعدم وضوح الهدف أو انعدامه. 5- الجهل بأهمية الوقت. 6- ضعف الهمة. 7- مصاحبة ذوى الهمم الضعيفة. 8- عدم التخطيط والتنظيم للوقت. 9- عدم الاستشعار بأننا محاسبون على أعمالنا وأوقاتنا . 10- الإحباط الذي يعيشه المسلم في مواجهة التحديات. قارن هذه الأسباب وواقعنا الذي نعيشه ، انظر كيف تتعامل أنت مع وقتك ؟ كيف تقضي الساعات ؟ أفي طاعة أم في معصية ؟!! هل أنت ممن يحيا بالوقت ويتجدد أم أنك ممن يقتل الوقت وبالتالي يقتل حياته ؟ هل تتحكم أنت بالوقت أم أن الوقت يتحكم فيك ؟ هل تملك وقتك وتستثمره ؟ أم أن سُراقَ الوقت قد سرقوه منك ؟! معاشر المحامين ، إنّ أول مَدَارِج الصلاح ـ والأمة تبتغي الإصلاح والانتظام في صفوف الأمم القويّة العاملة الجادّة ـ إنّ أول ذلك القدرة على ضبط أنفسنا وأبنائنا، والتحكّم الدقيق في ساعات عملنا. إن هذه الانتكاسة التي شملت الموظّفَ والمسئولَ والطالبَ والمعلّمَ والرجلَ و المرأةَ تحتاج إلى وقفة صادقة جادّة، وقرارٍ حاسمٍ يعيد الناس إلى الجادَّة، بل يعيدهم ليكونوا أسوياء يعملون كما يعمل الناس في كل بلاد الدنيا. إن من أهمّ آليّات الإصلاح الذي ينادي به المصلحون المُخْلِصُون النظرَ الجادّ في هذه القضية، وإعادةَ ترتيب ساعات العمل، وحملَ الناس على ذلك، وأَطْرَهم عليه أَطْرًا، حتى يتحوّل المجتمع إلى مجتمع مُنْضبِط عامل مُنْتِجٍ يحسن توظيف قدراته ومواهبه ومؤهّلاته وكفاءته في كل طبقاته رجالاً ونساءً وشبابًا وكهولاً . ويكفي ما ضاع من الأوقات ، قال ابن القيم : "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها" . الوقتُ أنفسُ ما عُنيت بحفظه : وأراه أسهل ما عليك يضيعُ فإلى قتلت الأوقات نرسل هذه الرسائل : 1- السفه في إنفاق الأوقات أشد خطراً من السفه في إنفاق الأموال . 2- المبذرين بأوقاتهم أحق بالحجر من المبذرين لأموالهم . 3- مَنْ قتل وقتَه فقد قتل نفسَه . قال الحسن البصري: " ما من يوم ينشق فجره، إلا وينادى: يا بن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة.. ". أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ]وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ_ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إنَّ الإنسان لظَلُومٌ كَفَار [ [ 33،34 : إبراهيم ]. * أيها الإخوة المحامون : كيف نستثمر أوقاتنا ؟ و كيف يقضي الأبناء إجازة هذا الصيف ؟ أولاً : يجب استغلال الوقت لتنمية ثلاثة محاور أساسيَّة: 1- محور أداء العبادات والسنن والأذكار والصدقات. 2- محور الأخلاق، وصلة الرحم، والبرِّ، ولطف المعاملة. 3- محور الحرص على البناء الذاتيِّ لتكوين شخصيَّةٍ مسلمةٍ مثقَّفةٍ جادَّةٍ معطاءة. وثانياً: إن مجالات استثمار الوقت كثيرة، وللمسلم أن يختار منها ما هو أنسب له وأصلح، ومن هذه المجالات: 1- حفظ كتاب الله تعالى وتعلُّمه : وهذا خير ما يستغل به المسلم وقته، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم( على تعلم كتاب الله فقال : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" [ رواه البخاري ] . 2- طلب العلم : فقد كان السلف الصالح أكثر حرصاً على استثمار أوقاتهم في طلب العلم وتحصيله؛ وذلك لأنهم أدركوا أنهم في حاجة إليه أكبر من حاجتهم إلى الطعام والشراب ، واغتنام الوقت في تحصيل العلم وطلبه له صور، منها : تصفّح الانترنت فى الواقع الإخبارية والإسلامية والنافعة ...و حضور الدروس والدورات المهمة، والاستماع إلى الأشرطة النافعة، وقراءة الكتب المفيدة وشراؤها . 3-ذكر الله تعالى : فليس في الأعمال شيء يسع الأوقات كلها مثل الذكر، وهو مجال خصب وسهل لا يكلف المسلم مالاً ولا جهداً، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ( أحد أصحابه فقال له : "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله" [ رواه أحمد وصححه الألباني ] . فما أجمل أن يكون قلب المسلم معموراً بذكر مولاه، إن نطق فبذكره، وإن تحرك فبأمره .4- الإكثار من النوافل : وهو مجال مهم لاغتنام أوقات العمر في طاعة الله، وعامل مهم في تربية النفس وتزكيتها، علاوة على أنه فرصة لتعويض النقص الذي يقع عند أداء الفرائض، وأكبر من ذلك كله أنه سبب لحصول محبة الله للعبد " ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه" [ رواه البخاري ] . 5- الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصيحة للمسلمين : كل هذه مجالات خصبة لاستثمار ساعات العمر . 6- زيارة الأقارب وصلة الأرحام : فهي سبب لدخول الجنة وحصول الرحمة وزيادة العمر وبسط الرزق، قال صلى الله عليه وسلم ( : "من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه" [ رواه البخاري ] . 7- اغتنام الأوقات اليومية الفاضلة : مثل بعد الصلوات، وبين الأذان والإقامة، وثلث الليل الأخير، وعند سماع النداء للصلاة، وبعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس . وكل هذه الأوقات مقرونة بعبادات فاضلة ندب الشرع إلى إيقاعها فيها فيحصل العبد على الأجر الكبير والثواب العظيم . 8- تعلُّم الأشياء النافعة : الكمبيوتر واللغات والسباكة والكهرباء والنجارة وغيرها بهدف أن ينفع المسلم نفسه وإخوانه . وبعد أخي المسلم فهذه فرص سانحة ووسائل متوفرة ومجالات متنوعة ذكرناها لك على سبيل المثال - فأوجه الخير لا تنحصر - لتستثمر بها وقتك بجانب الواجبات الأساسية المطلوبة منك فالواجبات أكثر من الأوقات ، فعاون غيرك على الانتفاع بوقته وان كان لك مهمة فأوجز فى قضائها . * وبعد ، فتأمّلوا ، حين يجتمع للمسلم العاملِ الجادِّ البُكُور والبركة، بركة المال، وبركة العمل، وبركة الوقت، فينتفع بماله، ويُفْسَحُ له في وقته، ويُقْبِل على عمله، فينجز في الدقائق والساعات ما لا ينجزه غيره ممن لم يُبارَك له في أيام وليالي، يُبارَك له فيكون الانشراح والإقدام والإقبال والرضا والإنجاز. فاحرص - أخي المسلم- على اغتنام وقتك واستغلاله. أ/حسين فتحي محمد المحامى HESENFATHY70@YAHOO.COM http://nasehameen.blogspot.com
0 تعليقات

إرسال تعليق

تصفّح المصرى اليوم

صفحة جديدة 1