مدونة ناصح أمين ... حسين المحامى

    

حق الكرامة الإنسانية في القانون المصري

طبقاً للنصوص الدستورية والجنائية ، وتطبيقاً من الناحية الواقعية

دراسة تحليلية للمادة 42 من الدستور ، والمادتين 126و129 عقوبات

الباحث/ أ/حسين فتحي محمد المحامى

مقدمة

* إذا كانت حياة الإنسان المادية جديرة بالحماية فان الأجدر منها بالرعاية هي كرامته الإنسانية ، وذلك لأن الإنسان إذا فقد كرامته فانه لا يبقى له فى حياته إلا حياة مادية اقرب إلى حياة الأنعام منها إلى حياة الإنسان الذى كرمه الله سبحانه وتعالى وفضّله على كثير من خلقه تفضيلا ، قال تعالى : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً{70} سورة الإسراء .

* وسوف نبحث ذلك ، حق الكرامة الإنسانية وما تقرر له من حماية نظرية طبقاً للنصوص الدستورية والجنائية ؟ ثم نلقى الضوء على نصيب تلك النصوص من حيث تطبيقها من الناحية الواقعية وذلك على النحو التالي أولا : حق الكرامة الإنسانية فى الدستور المصري والجنائي .

ثانياً : حق الكرامة الإنسانية من الناحية الواقعية .

أولا : حق الكرامة الإنسانية فى الدستور المصري والجنائي

أ - حق الكرامة الإنسانية فى الدستور المصري :

* تضمن دستور 1971 م نصاً صريحاً يقضى بحفظ كرامة الإنسان وعدم جواز تعذيبه حيث نصت المادة 42 من الدستور : ( كل مواطن يُقبض عليه أو يُحبس أو تُقيّد حريته بأي قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ، ولا يجوز إيذاؤه بدنيا أو معنويا، كما لا يجوز حجزه أو حبسه فى غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون ، وكل قول يثبت أنه صدر من مواطن تحت وطأة شيء مما تقدم أو التهديد بشيء منه يهدر ولا يعول عليه )

* ومن ايجابيات المادة 42 من الدستور :

1- إنها جاءت بمثابة رد الفعلي العكسي على الانتهاكات الصارخة لحق الكرامة الإنسانية التى وقعت خلال حكم الدكتاتوريات حيث كثُر التعذيب فى السجون والمعتقلات ضد سجناء الرأي وقد ثبُت ذلك التنكيل فى أحكام قضائية .

2- إن هذه المادة لم تقصر حمايتها على المتهم الذى يتم تعذيبه لحمله على الاعتراف ، ولكنها جاءت صياغتها فى إطلاق يجعلها تبسط حمايتها لكل من يُقبض عليه لاى سبب من الأسباب ولو كان من المعتقلين السياسيين الذين تُقيّد حرياتهم دون إسناد جريمة معينة لهم .

3- إن هذه المادة منعت التعذيب بجميع أنواعه ، سواء كان بدنياً أو معنوياً ، ولا شك أن الإيذاء المعنوي يتصل اتصالاً وثيقاً بالكرامة الإنسانية للمقبوض عليه وكذلك التعذيب البدنى الذى لا يسفر عن تخلف عاهة مستديمة بجسم المجني عليه

4- إن النص على عدم جواز حبس إنسان أو حجزه فى غير السجون الرسمية فيه حفظ لكرامة الإنسان – إذا وضع موضع التطبيق الفعلي – وحتى لا يتم حجز المقبوض عليه فى أماكن مخصصة لمبيت الحيوانات أو حجز المعتقلين فى غرفات الحجز بإدارة وفروع مباحث امن الدولة المزودة بأدوات التعذيب أو بغرف الحجز المُلحقة بأقسام الشرطة.

* أوجه القصور فى المادة 42 من الدستور:

1- إن المادة 42 لم تتضمن جزاء على مخالفتها سوى ما أوردته الفقرة الثانية من أهدار كل قيمة لأتى قول تحت وطأة التعذيب ، والواقع أن البطلان الذى رتبته الفقرة الثانية ليس جزاءً يُوقع على المعتدى على حق الكرامة الانسانية بقدر ما يتعلق بصلاحية القول بعد تعذيب أو معاملة لا إنسانية كدليل ضد التعذيب .

2- إن ما قررته الفقرة الثانية لا قيمة له – من الناحية العملية – ذلك أن محكمة النقض قد سبقت إلى تقرير ذلك الجزاء منذ أمد بعيد وأهدرت كل قيمة للاعتراف الذى صدر تحت وطأة الإكراه أو التعذيب كائناً ما قدر هذا الإكراه أو ذلك التعذيب .

3- وإذا كان من المعلوم أن طبيعة النصوص الدستورية لا تتضمن عقوبات جنائية ومع ذلك كان فى وسع واضعي الدستور حث السلطة التشريعية على سرعة إصدار تشريعات تكفل إخراج مبادئ الدستور إلى حيّز التطبيق .

* ب- حق الكرامة الإنسانية فى قانون العقوبات ( الجنائي )

* تضمن قانون العقوبات لحماية الكرامة الإنسانية فى المادتين 126 ، 129 عقوبات ، ( مادة 126 ) : كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات. إذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمداً.

(مادة 129 ) : كل موظف أو مستخدم عمومي وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة مع الناس اعتماداً على وظيفته بحيث أن أخل يشرفهم أو أحدث آلاماً بأبدانهم يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه.

· ومن الواضح أن المادة 126 عقوبات تناولت الحق فى الحياة بما أوردته فى الظرف المشدد حيث قررت عقوبة القتل العمد فى حالة موت المجني عليه من اثر التعذيب وفيما عدا ذلك الفرض فإنها تناولت حماية السلامة الجسدية إذا كان التعذيب الواقع على المتهم تعذيباً بدنياً ، أما إذا كان من بين صور التعذيب المعنوية كإجبار المتهم على ارتداء ملابس النساء أو التسمي بأسمائهن أو وضع لجام الخيل فى فمه وتعريضه بهذه الحالة لرؤية أهله ، فان ذلك يتعلق بحق الكرامة الإنسانية .

· والمادة 129 عقوبات تتصل بحق الكرامة الإنسانية ، وانطوى نص المادتين 126 ، 129 عقوبات على وجه القصور من ناحية القانونية، كما يوجد قصور آخر يرجع غلى صعوبة إثبات جريمتي التعذيب واستعمال القسوة من الناحية العملية .

1- القصور من الناحية القانونية :

أ- إن المادة 126 عقوبات لا تشمل جميع تعديات أفراد السلطة على الحريات الشخصية وخصوصاً حق الحياة .

ب – لم يُورد القانون المصري فى مادته 126 عقوبات تعريفاً للمتهم وترك أمر ذلك التعريف للفقه والقضاء وبذلك يمكن أن تشمل كلمة المتهم الواردة فى المادة سالفة الذكر كل معتقل سياسي إذا كانت القبض عليه قد تم عقب وقوع بعض الحوادث مجهولة الفاعل .

ج – عدم تناسب العقوبة المقررة بالمادة 126 عقوبات – مع جسامة جريمة التعذيب - ولكي تكون العقوبة رادعة نرى أن تكون الأشغال الشاقة المؤبدة وإذا مات المُعذب بسبب تعذيبه كانت العقوبة الإعدام ، ولكي تُصان الحريات من غلواء السلطة نرى عدم جواز تطبيق نص المادة 17 عقوبات على مرتكبي جرائم التعذيب التى تنص على : " يجوز فى مـواد الجنايات إذا اقتضت أحـوال الجريمة المقامة من أجلها الـدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة على الوجه الآتي : ( 1 ) : عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد . عقوبة السجن المؤبد بعقوبة السجن المشدد أو السجن . عقوبة السجن المشدد بعقوبة السجن أو الحبس الذى لا تجوز أن تنقص عن ستة شهور . عقوبة السجن بعقوبة الحبس التى لا يجوز أن تنقض عن ثلاثة شهور "

د – العقوبات المقررة بالمادة 129 عقوبات لا تصلح لحماية حق الإنسان المصري لصون كرامته الإنسانية من عدوان أفراد السلطة وقد تُغرى ذوى النفوس الضعيفة بالاعتداء على حريات الأبرياء الشرفاء ما دامت العقوبة قد بلغت هذا الحد من البساطة – إن طُبقت - .

2- القصور من الناحية الواقعية :

*إن جرائم التعذيب تواجه صعوبة كبيرة من الناحية الواقعية بحيث يتعذر إثباتها ويرجع السبب إلى إن المجني عليه هو بالضرورة فى قبضة الجناة من المعذبين فى أماكن عملهم .

* وقد قضت محكمة النقض فى الطعن رقم 1178 لسنة 18 ق جلسة 22/11/1948م :" أن إيثاق يدي المجني عليه وقيد رجليه بالحبال وإصابته من ذلك بسحجات وورم ، ذلك يصح اعتباره تعذيبا بدنياً ".

ودور القضاء المصري المُشرّف يأتي عادة بعد وقوع الاعتداء على الحريات ومن بينها حق الكرامة لكنه لا يحول دون وقوع التعدي .

ثانياً : حق الكرامة الإنسانية من الناحية الواقعية

· إذا كانت النصوص القانونية قد وفرت بعض أوجه الحماية القانونية لحق الكرامة الإنسانية فان هذه النصوص ليس لها نصيب من التطبيق فى الواقع العملي ا وخصوصاً فى قضايا الرأي أو ما يسمى بالجرائم السياسية .

· وقد اشتدت وطأة التعذيب فى مصر خلال العهد الجمهوري إلى أضعاف مضاعفة لما كانت عليه فى العصور الملكية كنتيجة طبيعية للحكم الاستبدادي ، ففي عهد عبد الناصر–الفترة من 1952م : 1970م – كثُر التعذيب فى المعتقلات والسجون الحربية فى مصر بجميع أنواعه وأشكاله المادية والنفسية –لأسباب سياسية – كالصفع والركل والجلد والقيد إلى الحائط ونزع شعر الجسد والأظافر وتكسير الأسنان إلى آخر ما جاء بحيثيات الأحكام الجنائية النهائية ، على سبيل المثال حيثيات الحكم فى :

( طعن رقم 112 لسنة 48 ق جلسة 27/4/1978م)

· وقد وُضعت مؤلفات تفصيلية لما شاهده شهود العيان من هذا التعذيب الوحشي على سبيل المثال هذه المؤلفات : البوابة السوداء أ/ أحمد رائف ، وكتابيّ فى الزنزانة و عندما يحكم الطغاة للدكتور /على جريشة ...وغيرها

· وقد اتخذ التعذيب أشكالاً لا إنسانية ولا أخلاقياً ومن ذلك ضرب الضحية بالسياط بعد شدّ وثاقه إلى فلقة حتى سالت منه الدماء وفاضت روحه ، أو إجبار الضحية أن يشرب من البول .( حيثيات حكم النقض رقم 294 لسنة 50 ق جلسة 29/5/1980م )

· وكذلك استمر التعذيب فى عهد السادات – الفترة من 1970م : 1981م- وذلك لاستمرار جهاز مباحث امن الدولة بضباطه وجنوده واغلبهم من الذين تحجرت قلوبهم وجرت نزعة التعذيب مع دمائهم فى عروقهم ، ولوجود المعارضة للسلطة الحاكمة والقلاقل السياسية وقد ثبت من أحكام القضاء وقوع التعذيب فى ذلك العهد كسابقه .

· أما عهد مبارك – الفترة من 1981م : وحتى تاريخه 2008ٍ م – فقد وقعت فى أوائل أيامها حوادث أسيوط اثر مقل السادات ، وقامت السلطة بالقبض على الآلاف من معارضيها المشتبه فى أنهم كانوا وراء هذه الأحداث وأودعوا غياهب السجون وتعرضوا للتعذيب الوحشي ووقع اختيار نيابة امن الدولة على 302 من بين المقبوض عليهم وقدمتهم للمحاكمة فى القضية رقم 48 جنائية لسنة 1982 م( المسماة بقضية الجهاد ) وأصدرت المحكمة-أمن الدولة العليا طوارئ- حكمها بجلسة 30/9/1984م ببراءة اغلب المتهمين ولم يُحكم بإعدام اى متهم .

· وقد أكدت التقارير الصادرة عن المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وقوع التعذيب فى مصر حتى الآن بل إن السلطة قد أضافت إلى وسائله التقليدية وسائل أخرى حديثة مثل لسع الضحية بالصدمات الكهربائي فى آماكن حساسة فى جسده .(تقارير منظمة العفو الدولية عن عام 1988 ص 249 وتقرير عام 1989م ص 267)

خاتمة البحث

لقد أكدّ الدستور المصري(م42) على حظر التعذيب وبطلان نتيجته باعتباره إهداراً جسيماً لآدمية الإنسان وكرامته وكونه وسيلة غير إنسانية لقهر وإضعاف الإرادة وحملها على الاعتراف مما يؤدى به أو بغيره إلى التهلكة .

· ولقد كانت م 126 عقوبات ومازالت مثار انتقاد شديد من الفقه المصري ومن جميع منظمات حقوق الإنسان الوطنية وذلك لأنها لا توفر الحماية الجنائية اللازمة والفعالة لحق الكرامة الإنسانية كما لا تنسجم مع أحكام الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والتي صادقت عليها مصر سنة 1986م.

· وقد انتقدت م129 عقوبات بإعطائها لجريمة استعمال القسوة عقوبات هزيلة جداً ، حيث إن المقصود باستعمال القسوة هو الإيذاء الخفيف اى التعدي بالأفعال المادية بالأفعال ولا ينصرف إلى الأقوال والإشارات (التعدي المعنوي ) مما يعنى أن الجريمة لا تقع بالألفاظ والإشارات وإنما بالأفعال فقط ،مما تعتبر مادة معيبة ويجب تعديلها.

تم بحمد الله تعالى ،،،

المراجع

أولا : القران الكريم

ثانيا : الكتب

1-الحرية الشخصية فى مصر، ضوابط الاستعمال وضمانات التطبيق

د/ عبد الله محمد حسين المحامى

2- الحق فى سلامة الجسد ، عاطف حافظ وآخرين المحامون

3- حقوق المواطن الدستورية وتطبيقاتها القضائية ، سعيد محمود الديب المحامى

4- ضمانات المتهم المُهدرة فى التشريع المصري ، سعيد محمود الديب المحامى

5- النظم السياسية والقانون الدستوري ، أ.د/محمد رفعت عبد الوهاب

أ.د/إبراهيم عبد العزيز شيحا .

6- الدستور المصري فقهاً وقضاءً ، أ.د/مصطفى أبو زيد فهمي .

7- الموسوعة الدستورية الشاملة ، حسام محفوظ .

8- مقالات مع القانون-الجمعة- بجريدة الأهرام اليومية المصرية .

9- محاضرات معهد المحاماة بالإسكندرية لسنة 2004م.

10- تقارير منظمة العفو الدولية لسنتيّ 1988و 1989م .

11- الدستور المصري .

12- قانون العقوبات .

13- مجلة المحاماة .

الباحث

حسين فتحي محمد المحامى

Hesenfathy70@yahoo.com

http://nasehameen.blogspot.com

0 تعليقات

إرسال تعليق

تصفّح المصرى اليوم

صفحة جديدة 1